لا يختلف اثنان على أهمية التعليم بالطبع. فمن الملموس بأن العلم يسهل العمل ويقوي الدولة مما يساعد في بناء حاضر ومستقبل زاهر.
وقد لا يجد القارئ علاقة قوية بين نظام سياسي وبين التعليم ومدى توفره, إلا إنه يبدو أن الاثنان على علاقة وطيدة.
لنبدأ على نطاق صغير, ولنتخيل عوضا عن دولة, شركة صغيرة تتألف من 25 شخصا. إن كانت الشركة ذات مديرٍ واحد له الأمر والنهي, فلا يمكن أن تجد في هكذا شركة أخصائيين وخبراء, إذ يؤول أمر اتخاذ القرارات للمدير العام وتنتفي حاجة الشركة للرأي الخبير المستقل. أما إن كانت الشركة ذات هيكل أفقي, فيتعين على المدير العام الاتكال على غيره من المدراء, مما يحتم أن يكونوا على قدر من الدراية والمعرفة. في هذا المثال البسيط, نجد أن الشركة ذات نظام الإدارة الأكثر ديمقراطية تحوي قدرا أكبر من المعرفة والعلم.
لنأخذ مثلا معيار التعليم العالمي, وهو معيار ثانوي من معيار التنمية البشرية الذي تنشره الأمم المتحدة. بشتمل معيار التنمية البشري على معيار التعليم, معيار الناتج المحلي, ومعيار توقع مدة حياة الأفراد. في معيار التعليم نجد أنه يتكون من 179 دولة مختلفة. تتصدر الدول المتعلمة بلجيكا ثم أستراليا ففنلندا فالدنمارك. فيما يتذيل القائمة تشاد, مالي, بوركينا فاسو فالنيجر.
لنقارن ذلك بمعيار الديمقراطية العالمي والذي تنشره وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجموعة "ذي إيكونومست The Economist" والتي تصدر مجلة عالمية بذات الاسم تعني بشؤون الاقتصاد.
معيار الديمقراطية يقيس عبر 60 سؤالا مدى ديمقراطية الدولة. أمثلة على بعض الأسئلة: "أتوجد انتخابات حرة ونزيهة؟ ما مدى سلامة المصوتين وقدرتهم على التصويت لمن يريدون؟ وما مدى تدخل القوى الأجنبية في الحكومة؟". معيار الديمقراطية يقسم الدول, حسب نتائجهم إلى 4 فئات:
- ديمقراطية كاملة
- ديمقراطية ناقصة
- نظام حكم مختلط
- أنظمة استبدادية
للمقارنة, تجدون الجدول أدناه:
للتنويه: أتوقع أن يستنكر بعض القراء تصنيف الدول العربية بالإستبدادية, إلا أن هذا ليس رأيا لي بل تصنيف المعيار المذكور.وتجدون وصلات للقوائم كاملة في آخر المقال.
من المقارنة المطروحة, في حال الديمقراطيات الكاملة والمنقوصة, نجد أنه في العادة يتناسب الترتيب الديمقراطي مع الترتيب العلمي. فكلما ارتفعت مرتبة الديمقراطية, ارتفع معيار التعليم, أو العكس.
من المقارنة المطروحة, في حال الديمقراطيات الكاملة والمنقوصة, نجد أنه في العادة يتناسب الترتيب الديمقراطي مع الترتيب العلمي. فكلما ارتفعت مرتبة الديمقراطية, ارتفع معيار التعليم, أو العكس.
أما في حال الأنظمة الخليطة أو الاستبدادية, فنرى نتائج متباينة, فمصر مثلا, ترتيبها التعليمي أقل من عمان على الرغم من أنها أعلى في مستوى الديمقراطية. ولعل الأسباب تتعدد هنا فتدخل حسابات أخرى كالفساد وغيره. على العموم, نستطيع القول أن واحدا من هاتين الجملتين صحيح:
- الأنظمة الديمقراطية تضمن تعليما عاليا
- أو التعليم العالي يضمن نظاما ديمقراطيا
من هنا يتضح وجود رباط وصلة وثيقة بين نظام الحكم والتعليم. لكن ما هو المسبب وما هو النتيجة؟ قد نجد إجابة لذلك في دراسة طرحت في الجمعية الملكية الاقتصادية بجامعة وارويك, بريطانيا في 2007.
وقد تم دراسة 104 دولة منذ 1960 وحتى 2000, واكتشفوا أن الدول التي حصل مواطنوها على 4 سنين على الأقل من الدراسة أصبحت ديمقراطيات, وأن الدول التي حصلت على أقل من ذلك بقيت أنظمة مستبدة.
ما يثير الاهتمام في الأمر هو أن الدراسة اكتشفت أن الفارق ليس التعليم العالي, بل التعليم المتساوي. أي, لا يهم كم عدد حملة الماجستير والدكتوراه. المهم, للحصول على دولة ديمقراطية, أن يحصل أكبر عدد من الناس على تعليم جيد بجودة متقاربة. حيث تذكر الدراسة: "التوسيع المتساوي للتعليم هو شرط اساسي لظهور وثبات الأنظمة الديمقراطية". وقد أضاف كاتب الدراسة, السيد أمبارو كاستيلو كليمينتي: "نتائجنا تشير إلى أنه عوضا من زيادة متوسط سنين الدراسة, ما تحتاجه الديمقراطية هو تحسين نوعية التعليم الذي يحصل عليه معظم الناس".
وعلى الرغم من أن الدراسة خلصت إلى أن التعليم هو السبب والديمقراطية هي النتيجة, فقد قال البروفيسور سافيل كوشر, مدير مركز للدراسات التعليمية والديمقراطية بجامعة غرب إنجلترا أن العكس قد يكون صحيحا في بعض الحالات. وقال: "إذا كان هناك توجه للديمقراطية, فسيكون هناك استثمار أكبر في التعليم. هذا يحدث حالياً في أماكن مثل البيرو. هناك أيضا حالات شاذة مثل كوبا التي تمتلك نظام مدرسي متطور لكنها مازالت نظاما استبداديا". وقد يفسر كلام البروفيسور كوشر حالة البحرين, إذ أن مركزها 144/167 في معيار الديمقراطية لكنها في معيار التعليم 62/179 إذ أن البحرين أبدت نوايا لزيادة المساحة الديمقراطية في البلاد.
وعليه, فيجب الاهتمام بتساوي التعليم الذي يحصل عليه غالبية الناس. وقد يصعب تبيان نوعية التعليم عادة, إلا أنه في البحرين, تم إنشاء هيئة ضمان جودة التعليم, والتي تراقب أداء وجودة المدارس الحكومية والخاصة, والجامعات والمعاهد التدريبية. يستطيع المواطن العادي الولوج لموقع الهيئة الالكتروني والحصول على معلومات عن معظم الجهات التعليمية التي خضعت للتقييم حتى الآن. يتبين لنا اليوم تفاوت جودة المدارس الحكومية بشكل كبير, كما تتفاوت أيضا مدارس البنين عن مدارس البنات. هذا في وقت أصبح التعليم الخاص ضرورة حياتية لفئة كبيرة من المجتمع وما عاد ترفا للأغنياء. وعليه, فالوضع التعليمي في البحرين يبشر بنتائج متفاوتة, مما, إن صحت الدراسة أعلاه, قد تؤخر التحول الديمقراطي في البحرين لعدة أجيال.