21 November, 2011

نداءٌ للعقل والحكمة

لأول مرة منذ عامٍ ونصف, أكتب هنا. ولأول مرة باللغة العربية أيضا. لكني أود أن أقول للبحرين شيئاً, فإسمعوني رجاءً.

يمر هذا العام ثقيلاً على البحرين وسكانها. وعلى الرغم من أن أحداثها قد شتت أهلها وأبعدتهم عن بعض, إلا أن من السخرية أن يجمع الكل على أن هذه السنة مرهقةٌ بحق.
في بداية العام, حاولت تبيان نقاط التلاقي والتشابه بين أفراد هذه المملكة. فعلى الرغم من بعض الإختلافات, إلا إننا متشابهون في الحياة اليومية بشكل كبير. الثوب العربي ليس حكراً على طائفة معينة ولا العباءة. الكل يستعمل السيارات للتنقل ويسير على نفس الشوارع. الكل يلبس الجديد في العيد وله نفس الطقوس من عيدية وزيارة أهل وغيره.
إن كنت جالساً في الفضاء الخارجي تنظر لهذا الشعب بمنظار, فستصعب عليك رؤية فرق واضح عدا أن بعضهم يصلي هنا والآخر هناك.

وقد نسينا هذا. الخوف والغضب والحزن أعمونا. وهذا شيءٌ طبيعي ومتوقع. عندما تزداد العاطفة, يقل العقل. لهذا نقول للعاشق إنه مجنون ولا يفيق إلا بوجود خاتمٍ في خنصره. ونعذر الغاضب إن تحدث بما لا يليق, فهو لا يعي ما يقول. بل العاطفة تخرجك من الدين أحيانا, وسأعطيكم مثالاً حيا: هيا, جرب معي؛ إذهب لزوجتك وقل لها إنك ستتزوج ثانيةً, هيا إذهب. سأنتظرك هنا.
....
دعني أحزر: تعالى صراخها وربما قالت إن هذا حرام ولا يرضي الله ولا رسوله, صح؟ حسنا, إذهب لتراضيها ثمَّ أكمل القراءة.

في هذا المثال كفرت المرأة بحق الرجل للزواج بغيرها, السبب هو زيادة العاطفة التي أخرست المنطق الذي يقول أنها تؤمن بدين يقبل هذا الفعل ولا يجد حرجاً فيه.
هنا, في البحرين, ما يحدث, وما نفعل, ليس من المنطق ولا من الدين. لأننا منفعلون.
حديثي موجهٌ للجميع دون إستثناء, وإني هنا إذكركم بتواضع, فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

يعلق سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة دوماً أن الخلاف ليس بين الطوائف والأديان, بل بين السياسات. فلا تقحموا الدين فيه. فالمسلم لا يأخذ بعض الدين ويترك بعضه (كما تفعل الزوجة الأولى في مثالنا). المسلم (وأنت على الأرجح كذلك) سيلتزم بالآيات والأحاديث التالية:

نحن متساوون
للأسف, عند الخلاف, كلٌ ينظر للآخر على إنه أفضل من ذلك وله الحظية عند الله, وعليه, فهو من فصيلةٍ أسمى. يا ناس, هذا ما أصاب إبليس عندما إعتقد إنه أفضل من سيدنا آدم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربيٍ على أعجميٍ إلا بالتقوى". بمعنى:
إلا: أداة شرط. يعني, أن الفرق الوحيد (أكرر: الوحيد) هو التقوى. الحمدلله, أرى أن رؤوسكم تهز بمعنى أن نعم. جيد. إسمعوني:
من الذي يستطيع قياس التقوى؟ واحدٌ أحد فقط. هو الله. صح؟ تمام. إذن, لا يوجد إي بني آدم قادر على قياس التقوى. صح؟
حسناً, متى يتم هذا القياس؟ إن كان الله هو الوحيد القادر على ذلك فأكيد سيحدث هذا في الآخرة أي بعد يوم القيامة. تمام.
هذا يعني, حتى أن تقوم القيامة, فلا سبيل لقياس الفرق الوحيد بين الناس (التقوى). ودون الفرق الوحيد, فنحن سواسية. منطقي, هاه؟
إلا إذا توفى أحدهم, وذهب للآخرة ليستعلم ثم يرجع فيخبر. ولا أعتقد أن ذلك سيحصل قريباً.
إذن, نحن سواسية. أنا وأنت ومن يعارضك ومن غسل سيارتك ومن صنعها ومن خاط ملابسك وكل البشر. على الأقل, حتى إشعارٍ آخر في الآخرة.

شعبٌ يسب نفسه
منذ فبراير وحتى اليوم, ارى سباً فظيعاً ومقيتاً. وأرى تهماً تلقى جزافاً على الخلق (وطالني نصيبٌ وافرٌ من ذلك أيضاً). نعم أعلم أنكم خائفون غاضبون. نعم. لكن عاطفتكم أنستكم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذي".
طعّان: مثل أن يقول أحدكم أن هذا فعل كذا وكذا دون أن يرى ذلك. هل رأيته يفعل ذلك رأي العين؟ أين دليلك؟ أما اللعَان فمعروفة. منذ فبراير ونصف الشعب يلعن الآخر ويحتسبه عند الله والآخر يرد عليه بالمثل. فلحنا! يا ناس اللعن مذموم وأيضاً لا يفيد. إسأل حولك, هل إستفاد أحدٌ من اللعن أو خفت مصيبته؟ لا؟ اللعن هو الطرد من رحمة الله فلا تصدقوا أن لكم هذه القدرة الخارقة.
الفاحش هو ذو الفحش في كلامة وفعله, والبذي هو السفيه الفاحش في منطقه وإن كان كلامه صدقا.
عن أبي الغفاري أنه سمع رسول الله يقول: "ولا يرمي رجلا بالفسق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك" رواه البخاري، ويقول "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" متفق عليه. كما قال حبيبي المصطفى " لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة".
من منكم يود أن يكون فاسقاً بسب الناس؟

لا عقاب جماعي
يقول الله في القرآن الكريم: "ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى". بمعنى بسيط: إثم الشيء وعقابه لا يخص إلا مرتكبه. لذا نرى مثلا إن مارس رجلٌ وإمرأة الزنا, فيقام عليهما الحد كلاهما. لكن, مولودهما لا ذنب له. بل هو بريءٌ حاله كحال أي مولودٍ آخر. وما مقاطعة البضائع والمحلات عندنا في البحرين إلا عقابٌ جماعي.  لا أعرف شخصاً واحداً قاطع منتجاً ما أو شركةً ما لأنه رأى صاحب الشركة يفعل ما يستحق. بل الناس تقاطع بناءً على طائفته أو إسمه. حسناً وما أدراكم ما بقلبه؟ لا يصح العقاب الجماعي, لأن هذا يؤدي إلى كلام مثل "جماعتنا وجماعتهم" وهذا يتعارض مع التساوي الذي سنه رب العالمين وذكرته أعلاه. الآية نزلت أصلاً في الوليد بن المغيرة , كان يقول : اتبعوا سبيلي أحمل أوزاركم ; كما ذكر ابن عباس . وقيل إنها نزلت رداً على العرب في الجاهلية من مؤاخذة الرجل بأبيه وبابنه وبجريرة حليفه. ويبدوا إننا مازلنا بعد 1400 سنة في نفس المكان.
ومقاطعة البضائع, ليس فيها من الإسلام شيء. فما قط سمعت أن الدين أمرنا بقاطعة كذا وكذا. بل نعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم إشترى شعيراً من يهودي على أن يدفع له لاحقاً ورهن درعه عنده كضمان. لم يكن لديهم نقص في التجار المسلمين أيامها, وخصوصاً في سلعة نفترض تواجدها كالشعير. لكن التاجر اليهودي جزء من المجتمع ويجب أن لا يُقصى منه. فمابالكم بمسلمين كبروا على نفس الأرض؟

لماذا خلقكم مختلفين؟
نعرف أن أوجه التشابه بين البحرينيين أكثر بكثير من أوجه الإختلاف. مع ذلك نرى ضيقي الأفق يطالبون بطرد فئة من البلد (وكلامي مازال للجميع). أما قرأوا قوله سبحانه وتعالى؟ "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".
لاحظوا كلمة "لتعارفوا". لم يقل لتناحروا, لتتضاربوا, لتتقاتلوا, لتتساببوا. لا. قال لتعارفوا.
وتتعرف على من؟ هل تستطيع التعرف على من تعرف؟ لا, أنت تعرفه بالفعل. أنت لا تستطيع إلا التعرف على الغريب أو من يختلف عنك. وهذا الكلام بين شعوب ودول. فياللأسى, في دولةٍ بهذا الحجم إنقسم شعبها وصارت كل فئة غريبةٍ عن الأخرى, تخافها وتنفر منها. يا للخزي.
يا ناس, بالله عليكم, ألا تعتقدون إن بمقدرة الله أن يجعلنا كلنا شعباً واحداً بمذهبٍ واحد؟ لكنه لا يريد ذلك. بل جَعَلنا شعوباً وقبائل عن عمد لنتعارف. هذه هي مشيئة الله بحسب كلامه عن نفسه.

مازلت تود التركيز على الخلاف؟
لا تدع التعصب والعاطفة تعميك وإستغفر ربك. أعترف بوجود خلافات شديدة بين مكونات الشعب, نعم. لكن أن تجعلكم هذه الخلافات تخالفون شرع الله وتبدأون في السب والطعن والقذف واللعن, فلا خير يُرجى من ذلك أبداً. بل ولا تصدق للحظة أن هذا عمل بطولي أو يرضي الرب إذ إني أثبتُّ لكم دون شك أن هذا لا يرضيه.
الإسلام دين سلام وليس دين كره. ونحن أبناء شعبٍ واحد ومتعلمون, ولسنا همجاً ومتخلفين. مشاكلنا سياسية, والمشاكل السياسية تحل على طاولة بوجود أوراق وأقلام ونوايا صافية. أنا أنادي العقل والحكمة الموجودان لدى كلٍ منكم. أناديكم للرجوع لتعاليم هذا الدين وأن لا تأخذوا بعضه وتدعوا بعضه. أناديكم لتعتصموا بحبل الله جميعاً.

ثقافة البحرين واحدة وممزوجة ولا تفصل. الحلوى البحرينية رمزٌ لنا كفخار عالي. اللؤلؤ إصطادته كل الطوائف. أغانينا, أهازيجنا, مشاريعنا وكل مافينا خليطٌ منا. لا تنسوا من أين أنتم. أنتم بحرينيون. لا تفترقوا أبداً, نحن أفضل من هذا.

رب أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا إجتنابه. برحمتك يا أرحم الراحمين.

5 comments:

Suhail Algosaibi said...

أحسنت يا مناف و الله يسمع منك!

Antidisestablishmentarianist said...

أتفق مع ما كتبته هنا ولقد قلتها نفسي بالأمس، أن الله ورسله لا علاقة لهم بما يفعله البشر في أمور الحقوق والسياسة، ولم يلهم أحد فينا ليتكلم باسمهم، ولا علاقة ببناء المنازل أو رصف الشوارع أو زيادة عدد الوظائف أو حرق الشوارع أو سكب الزيوت عليها أو رمي المولوتوف أو تطوير المدارس أو توسيع المستشفيات برجال الدين. فلنبتعد عن شماعة الدين ولنتحدث معاً كبشر في جزيرة، في سفينة إذا خرقها أحد كلنا نغرق.

ملحدهم said...

لقد كتبت ما حز بخاطري - المشكلة السياسية أوالمشكلة بين الحكومة والمعارضة ليست أكبر من الانشقاق الشعبي والمذهبي الحاصل الآن .هذا الانشقاق الذي ادى الى السب والشتم واستخدام اقبح الكلمات واكثرها عنصرية وادى الى الرؤية الدونية للآخر بل ووصلت لحد الشماتة بمصائب الطرف الأخر والضحك عليها.


ولايمكن بأي حال من الاحوال لوم طرف واحد دون الآخر - فالمعارضة ، الحكومة والموالاة لهم اخطائهم التي ضرت بالوحدة الوطنية . ولكن تبقى المسؤلية الشخصية لكل فرد فينا موجودة ولايمكن ان نلقي باخطائنا الشخصية على هذه الشماعة أو تلك دون ان نفتح مجال التقييم الذاتي وعملية اصلاح الذات.

كملحد كنت اود لو استخدمت الخطاب الانساني واستيقظت بالناس ضمائرهم الانسانية لكن اعتقد ان الخطاب الديني ربما يكون مفيد بهذة الحالة خصوصاً عندما يكون الدين جزء من المشكلة.

Redbelt said...

يا ملحدهم كل إنسان له قيم. وأنت لازم تخاطبهم بقيمهم. معظمنا مسلمين ومتفقين على المباديء والأحاديث. ولو كانوا مسيح أو غيره لخاطبتهم بما يناسب قيمهم.
والدين ليس جزء من المشكلة. التجاوزات والسب كما ذكرت في مقالي ليس من الدين.
أكرر, ليس من الدين.

الدين ليس المشكلة, ولو إلتزمنا حقاً به لما رأيت سباً وتخوينا ودعوات لعائلة برمتها للموت.

Unknown said...

well said
عسى الله يطلق لسانك بالحق دائما ويوفقك في مسعاك